تأملات الرفيق فيدل »

آلة القتل

يوم الأحد هو يوم ملائم لقراءة ما يبدو بأنه قصة من وحي الخيال.

تم الإعلان بأن وكالة السي آي إيه ستزيل السرّية عن مئات الصفحات المتعلّقة بأعمال غير مشروعة تشمل مخططات لاغتيال قادة حكومات أجنبية. وفجأة توقف النشر وتأخر يوماً. لم يقدّموا تفسيراً متماسكاً. ربما أن أحداً من البيت الأبيض ألقى نظرة على المواد.

الرزمة الأولى من الوثائق التي تم إزالة السرية عنها تُعرَف باسم “جواهر العائلة”، وتتكون من 702 صفحة عن الأعمال غير المشروعة التي قامت بها وكالة السي آي إيه بين عامي 1953 و1973. حذفوا من هذا الجزء ما مجموعه 100 صفحة. يتعلق الأمر بعمليات غير مسموح بها بموجب أي قانون، مؤامرات تستهدف اغتيال قادة آخرين، تجارب على بشر باستخدام مخدّرات من أجل التحكم بعقولهم، أعمال تجسسية على مناضلين مدنيين وصحافيين، وغيرها من النشاطات المشابهة المحظورة بشكل صريح.

بدأ جمع الوثائق بعد 14 سنة من حدوث الوقائع الأولى، وذلك حين ذعُر مدير السي آي إيه آنذاك، جيمس شليزنجر، مما كانت تكتبه الصحافة، وخاصة مقالات كل من روبيرت وودوارد وكارل بيرنشتاين المنشورة في صحيفة “واشنطن بوست”، وسبق أن ذكرتُها في “البيان الموجَّه للشعب الكوبي”. كانت توجَّه التهمة للوكالة بأنها تقف وراء أعمال التجسس في فندق ووترغيت بمشاركة عميلاها السابقان هووارد هونت وجيمس ماكورد.

في شهر أيار/مايو من عام 1973 طالب مدير السي آي إيه “بأن يقوم جميع الضباط العمليات الرئيسيين في هذه الوكالة بإبلاغي فوراً أي معلومات تتوفر عن أي محاولة جديدة أو سابقة قد تخرق الميثاق الداخلي لهذه الوكالة”. شليزنجر، الذي تم تعيينه زعيماً للبنتاغون لاحقاً، كان قد تم استبداله بوليام كولبي. كان هذا يتحدث عن الوثائق بصفتها “هياكل عظمية مخبأة في خزائن”. وقائع جديدة كشفت عنها الصحافة أجبرت كولبي على الاعتراف لرئيس البلاد بالنيابة جيرالد فورد عام 1975 عن وجود تلك التقارير. صحيفة “ذي نيويورك تايمز” كشفت آنذاك عن تسلل الوكالة إلى صفوف المجموعات المناهضة للحرب. والقانون الذي أوجدته السي آي إيه كان يمنع التجسس داخل أراضي الولايات المتحدة.

“ليس هذا إلا أجزاء صغيرة من كتلة الجليد”، هذا ما قاله وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر.

ونبّه كيسنجر نفسه إلى أن “الدماء ستسيل” إذا ما تم الكشف عن تلك الأعمال، وأضاف تباعاً: “على سبيل المثال، أن روبيرت كندي قد أشرف شخصياً على محاولات اغتيال فيدل كاسترو”. شقيق الرئيس كان آنذاك مدعياً عاماً للولايات المتحدة. بعد ذلك قضى اغتيالاً في لحظات كان فيها مرشحاً للرئاسة في انتخابات عام 1968، حيث ساهم غيابُ مرشح بقوّته في انتخاب نيكسون. الأكثر مأساوية في هذه القضية هو أنه كان قد توصل إلى القناعة بأن جون كندي قد ذهب ضحية مؤامرة. بعد تحليل الثقوب وأعيرة الطلقات وغيرها من الأسباب التي أدت إلى وفاة الرئيس، توصل محققون صارمون إلى الاستنتاج بأنه يبلغ ثلاثة على الأقل عدد الأشخاص الذين أطلقوا النار. لم يكن بوسع أوسفالد الوحداني، الذي تم استخدامه كأداة، أن يكون مطلِق النار الوحيد. هذا الأمر لفت كثيراً انتباه كاتب هذه السطور. اعذروني على روايتي لكم بأن القدر قد حوّلني إلى مدرّب رماية بمهداف تلسكوبيّ لجميع المشاركين في حملة “غرانما” البحرية. أمضيتُ شهوراً وأنا أتدرّب وأعلّم في كل يوم؛ يضيع الهدف مع إطلاق كل عيار حتى لو كان ثابتاً، وعليك البحث عنه من جديد خلال أجزاء من الثانية.

أراد أوسفالد العبور بكوبا في رحلة له إلى الاتحاد السوفييتي. كان قد سبق له أن تواجد هناك. وأحدٌ ما أرسل بطلب تأشيرة له من سفارة بلدنا لدى المكسيك. لم يكن أحد يعرفه كما لم يوافق على ذلك أحد. كانت هناك محاولة لإقحامنا في مؤامرة الاغتيال. جوك روبي، وهو صاحب تاريخ فظيع في المافيا، وبعدما فقد قدرته على تحمل كل ذلك الألم والحزن، حسب تصريحه، قام في وقت لاحق باغتياله في محطة مكتظّة برجال الشرطة.

في موعد لاحق، كان لي لقاءات مع ذوي كندي المتألمين، وذلك أثناء قيامي بنشاطات دوليّة أو خلال زيارات أجروها لكوبا، وقد حيّوني باحترام. أحد أبناء الرئيس الأسبق، والذي حين اغتالوا والده كان طفلاً صغيراً جداً، زار كوبا بعد 34 سنة في مهمة لصالح مجلة أمريكية، اجتمع إليّ ودعوته للعشاء.

ذلك الشاب، في أوج شبابه وبالغ التهذيب، توفي على نحو مأساويّ في حادث جوّي أثناء طيرانه مع زوجته في ليلة عاصفة إلى جزيرة ماثاس فينجارد. لم أتطرق مع أي من أولئك الأقارب إلى هذا الموضوع الشائك. خلافاً لذلك، أشرتُ إلى أنه لو بدلاً من كندي تم انتخاب نيكسون رئيساً للولايات المتحدة، لكانت قد تمت مهاجمتنا على أثر فشل الهجوم على شاطئ خيرون [خليج الخنازير] من قبل القطع البحرية التي كانت تحمي الحملة البحرية المرتزقة، وذلك بكلفة لاحقة هائلة من الأرواح بالنسبة للشعبين. ما كان من شأن نيكسون أن يكتفي بالقول بأن للنصر الكثير من الآباء بينما الهزيمة يتيمة. من الثابت أن كندي لم يبدِ أي حماس أبداً لمغامرة شاطئ خيرون، التي قادتهم إليها الشهرة العسكرية لأيزنهاور وانعدام المسؤولية عند نائبه الطموح.

أذكر أنه في اليوم والدقيقة اللتين تم اغتياله بهما بالضبط كنت أنا أتبادل أطراف الحديث في مكان هادئ خارج العاصمة مع الصحافي الفرنسي جان دانييل. أبلغني هذا بأنه يحمل رسالة من الرئيس كندي. وروى لي بأن جوهر ما قاله له: “سوف تذهب لرؤية كاسترو. بودّي أن أعرف ما هو رأيه بالخطر المريع الذي نعيشه، خطر دخولنا في حرب نووية-حراريّة. أريد أن ألتقي بك مجدداً في حال عودتك”. وأضاف لي: “كان كندي نشيطاً جداً، بدا وكأنه آلة لصنع السياسة”، ولم نتمكّن من متابعة حديثنا، حيث وصل أحد بسرعة حاملاً إلينا نبأ ما حدث. أخذنا نستمع إلى المذياع. لم يعد هناك نفع مما كان يفكّر به كندي.

طبعاً أنا عشت ذلك الخطر. كانت كوبا الحلقة الأضعف وكذلك الطرف الذي يتلقى الضربات، ولكننا لم نكن موافقين على التنازلات التي قُدِّمت للولايات المتحدة. وقد سبق لي أن تحدثت عن هذا الأمر في مناسبة أخرى.

كان كندي قد خرج من الأزمة بقوة أكبر. وصل به الأمر للاعتراف بالتضحيات الجسيمة بالأرواح وبالثروة البشرية التي قدمها الشعب السوفييتي في الحرب على الفاشية. أسوأ ما في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا لم يكن قد حدث بعد في شهر نيسان/أبريل من عام 1961. حين لم ترضَ بواقع ما حدث في شاطئ خيرون، فحلّت أزمة أكتوبر [أزمة الصواريخ]. تضاعف الحصار والخنق الاقتصادي وهجمات القرصنة وأعمال التخريب. ولكن مخططات الاغتيال وغيرها من الأعمال الدموية بدأت في ظل إدارة كل من أيزنهاور ونيكسون.

ما كان من شأننا أن نرفض بعد أزمة الصواريخ التحدث مع كندي، وما كان من شأننا أن نكف عن كوننا ثواراً وراديكاليين في كفاحنا من أجل الاشتراكية. ما كان من شأن كوبا أن تقطع علاقاتها أبدا بالاتحاد السوفييتي، وهو ما كانت تتم مطالبتنا به. لو كان هناك وعي حقيقي عند الحكام الأمريكيين لما تعنيه حرب عسكرية بأسلحة دمار شامل لربما أمكن إنهاء الحرب الباردة من قبل وبطريقة أخرى. على الأقل هكذا كان بمقدرونا أن نفكر في ذلك الحين، حين لم يكن هناك حديث عن الاحتباس الحراري وعن اختلال الموازين وعن الاستهلاك الهائل للنفط وعن الأسلحة المتقدمة التي أنتجتها التكنولوجيا، كما سبق وذكرت للشبان الكوبيين. لعله كان بوسعنا التمتع بقدر أكبر بكثير من الوقت لكي نحقق عبر العلوم والوعي ما نجد أنفسنا مرغمين اليوم على تحقيقه بأعلى درجة من السرعة.

قرر فورد تعيين لجنة للتحقيق في أمر وكالة الاستخبارات المركزية. وقال: “لا نريد تدمير السي آي إيه، وإنما المحافظة عليها”.

كمحصّلة لتحقيقات اللجنة بقيادة السيناتور فرانك شورش، أقر الرئيس فورد الأمر الحكومي الذي منع من خلاله صراحة مشاركة موظفين حكوميين أمريكيين في اغتيال زعماء أجانب.

الوثائق التي تم نشرها الآن تشمل عناصر حول تنسيق السي آي إيه والمافيا لاغتيالي.

كما أنها تكشف تفاصيل عن عملية “كاوس” (الفوضى)، التي تم القيام بها منذ عام 1969 وعلى مدار سبع سنوات على الأقل، وقد شكّلت وكالة السي آي إيه لخدمتها كتيبة خاصة مهمتها التسلل إلى صفوف مجموعات مناهضة للحرب والتحقيق في “النشاطات الدولية التي يقوم بها راديكاليون ونشطاء زنوج”. جمعت الوكالة أكثر من ثلاثة آلاف اسم لمواطنين ومنظمات أمريكية وأرشيفات واسعة تضم 7200 شخصاً.

واستناداً لصحيفة “ذي نيويورك تايمز” فإن الرئيس جونسون كان على قناعة بأن الحركة الأمريكية المناهضة للحرب كانت تحت السيطرة ويمولّها حكام شيوعيون، وأوعز للسي آي إيه بإحداث أدلّة.

كما تعترف الوثائق بأن وكالة السي آي إيه قد تجسست على عدة صحفيين مثل جاك أندرسون، وعلى فنانين مثل جين فوندا وجون لينون، وعلى الحركات الطلابية في جامعة كولومبيا. كما قامت بتفتيش منازل وأجرت تجارب على مواطنين أمريكيين للتحقق من ردة فعل الإنسان على مخدرات معينة.

في عام 1973، في مذكرة موجّهة إلى كولبي، أبلغ والتر إلدر، الذي كان في السابق مساعدً تنفيذياً لجون ماكوني، مدير السي آي إيه في بدايات عقد الستينات، عن مناقشات داخل مكتب مدير السي آي إيه تم تسجيلها وكتابتها خطياً: “أعرف أن أياً كان سبق له وأن عمل في مكاتب المدير كان يشعر بالقلق من حقيقة أن هذه المحادثات في المكاتب وعبر الهاتف كان يتم نقلها إلى الورق. خلال سنوات ماكوني، كانت توجد ميكروفونات في مكاتبه المعتادة، وفي المكتب الداخلي والمطعم ومكتبه في المبنى الشرقي وفي غرفته في المنزل، في شارع وايت هافن. لا أدري إن كان هناك أحد مستعد للحديث عن هذا، ولكن المعلومات تأخذ طريقها عادة إلى التسرّب، ومن المؤكد بأن الوكالة هي على درجة من الهشاشة في هذه الحالة”.

المخطوطات السريّة لمدراء السي آي إيه يمكنها أن تحتوي على قدر كبير من “الجواهر”. وها هو أرشيف الأمن القومي قد شرع بطلب هذه المخطوطات.

وتوضّح مذكّرة بأنه كان لدى السي آي إيه مشروعاً يسمى “OFTEN” يجمع “معلومات عن مخدرات خطيرة تنتجها شركات أمريكية”، إلى أن تم إنهاء البرنامج في خريف عام 1972. وتوجد في مذكّرة أخرى تقارير تشير إلى أن منتجين لمخدرات تجارية كانوا قد “نقلوا” إلى السي آي إيه مخدرات “مرفوضة بسبب آثارها الجانبية السيئة”.

كجزء من برنامج “MKULTRA”، كانت السي آي إيه قد أدخلت “LSD” وغيره من المخدرات نفسية الفعل إلى أشخاص من دون علمهم. واستناداً إلى وثيقة أخرى في الأرشيف، فإن سيدني غوتيلييب، وهو عالم النفس والكيميائي رئيس برنامج التحكم بالدماغ التابع للوكالة، هو المسؤول الافتراضي عن توفير السمّ الذي كان سيتم استخدامه في محاولة اغتيال باتريسيو لومومبا.

موظفون من السي آي إيه تم تحويلهم للعمل في “MHCHAOS” –وهي العملية التي تولّت مراقبة المعارضين الأمريكيين للحرب في فيتنام وغيرهم من المنشقين السياسيين- عبّروا عن “درجة عالية من الندم” على قبولهم الإيعاز بالقيام بمثل هذه المهمّات.

غير أن هناك جملة من القضايا الهامة تكشفها هذه الوثائق، مثل علوّ مستوى اتخاذ القرارات بالأعمال ضد بلدنا.

التقنية التي تستخدمها السي آي إيه الآن من أجل عدم تقديم التفاصيل ليست بالتشطيبات البشعة، وإنما الفراغات المتروكة، وذلك لاستخدام الكمبيوتر.

ترى صحيفة “ذي نيويورك تايمز” بأن الأجزاء التي قصّها المراقب تثبت بأنه ليس بوسع السي آي إيه بعد أن تعرض جميع الهياكل العظمية الموجودة في خزائنها، وأن كثير من النشاطات التي تم القيام بها في إطار عمليات خارجية، وتمت مراجعتها لاحقاً من قبل صحافيين وباحثين وأعضاء كونغرس ولجنة حكومية، ليست مفصَّلة في الوثائق.

هوارد أوسبين، الذي كان آنذاك مديراً لأمن السي آي إيه، صاغ موجزاً “للجواهر” التي جمعها مكتبه. يعدّد ثمان حالات -بما فيها تجنيد القاتل بالأجرة جوني روسيلي لتوجيه الضربة لفيدل كاسترو-، ولكنهم شطبوا الوثيقة الموجودة في الرقم 1 من القائمة الأولية لأوسبورن: صفحتان ونصف الصفحة.

“لا بد وأن الجوهرة رقم واحد للمكاتب الأمنية للسي آي إيه جيدة جداً، وخاصة أن الثانية هي قائمة برنامج اغتيال كاسترو على يد روسيلي”، هذا ما قاله توماس بلانتون، مدير أرشيف الأمن القومي، الذي طلب إزالة السريّة عن “جواهر العائلة” قبل 15 سنة في ظل “محضر حرية الإعلام”.

إنه لأمر لافت إقدام الإدارة التي أزالت أقلّ ما أزالت السرية في تاريخ الولايات المتحدة، وحتى أنها بدأت عملية إضفاء السرية على وثائق سبق وأزيلت عنها، على اتخاذ قرار بالكشف عما يتم الكشف عنه الآن.

برأيي أن مثل هذا العمل يمكن أن يعني محاولة لإعطاء صورة بالشفافية في أسوأ لحظات الحكومة من حيث قبولها وشعبيتها، والإيحاء في ذات الوقت بأن مثل هذه الأساليب تعود إلى حقبة أخرى وأنها لم تعد مستخدَمة. الجنرال هايدن، وهو المدير الحالي للسي آي إيه، وعند إعلانه عن القرار، صرح قائلاً: “توفر الوثائق نظرة على فترات زمنية مختلفة جداً وعلى وكالة مختلفة جداً”.

تفيض عن الحاجة الإضافة بأن كل ما يجري وصفه هنا يتواصل تنفيذه، وإنما على نحو أكثر همجية وحول الكرة الأرضية كلها، بما في ذلك العدد المتزايد من الأعمال غير الشرعية داخل الولايات المتحدة نفسها.

صحيفة “ذي نيويورك تاميز” نقلت عن خبراء في التجسس قولهم حين سئلوا بأن الكشف عن هذه الوثائق هو محاولة لحرف الانتباه عن الخلافات والفضائح المحيطة بالسي آي إيه وبإدارةٍ تعيش أسوأ لحظاتها من حيث انخفاض شعبيتها.

ويمكن أن تكون إزالة السرية هادفةً إلى الإظهار، على عتبة العملية الانتخابية، بأن الإدارات الديمقراطية كانت مماثلة أو أسوأ من إدارة بوش.

في الصفحات الممتدة من 11 إلى 15 من المذكرة الموجهة إلى مدير وكالة المخابرات المركزية، يمكننا أن نقرأ:

“في شهر آب/أغسطس من عام 1960، دنا السيد ريتشارد م. بيسيل من العقيد شيفيلد إدواردز بهدف التحقق ما إذا كان لدى مكتب الأمن عملاء يستطيعون المساعدة في القيام بمهمة سرّية تحتاج لعمل من نوع القتل بالأجرة. وكان هدف تلك المهمة فيدل كاسترو.

نظراً للسرّية البالغة للمهمة، لم يتم كشف المشروع إلاّ لمجموعة صغيرة من الأشخاص. تم إبلاغ أمر المشروع لمدير وكالة المخابرات المركزية ووافق هذا عليه, العقيد ج. س. كينغ، رئيس لواء النصف الغربي من العالم، تم إبلاغه به أيضاً، ولكن كل التفاصيل أُخفيت بشكل متعمَّد عن جميع ضباط عملية “JMWAVE”. مع أن بعض ضباط الاتصالات (Commo) وضباط من لواء الخدمات الفنيّة (TSD) شاركوا في المراحل الأوليّة من المخطط، فإنهم لم يكونوا يعرفون الهدف من تلك المهمّة.

تم إجراء الاتصال بروبيرت أ. ميهيو، وشُرح له المشروع بخطوطه العريضة، وطُلب إليه النظر في إمكانية الوصول إلى عناصر من القتلة بالأجرة كخطوة أولى لتحقيق الهدف المنشود.

ذكر السيد ميهيو بأنه كان قد التقى مع المدعو جوني روسيلي في العديد من المناسبات أثناء زيارته للاس فيغاس. لم يكن له معرفة به إلا بصفة شكلية من خلال زبائن، ولكن تم إفهامه بأنه عضو ذو سلطة عالية في ‘النقابة’ وأنه يسيطر على جميع آلات صنع الثلج في لا فرانجا. وبرأي ميهيو بأنه لو كان روسيلي هو بالفعل عضو في في الكلان، فإنه بلا شك صاحب علاقات يمكنه أن توصله إلى تجارة القمار في كوبا.

طُلب من ميهيو أن يتقرّب من روسيلي، الذي كان على علم بأن ميهيو هو إداري في العلاقات الشخصيّة يُعنى بالحسابات المحلية والأجنبيّة، ويقول له بأن زبوناً قد أبرم عقداً معه مؤخراً ويمثّل عدة شركات تجارية دوليّة تعرضت لخسائر مالية فادحة في كوبا بسبب سياسة كاسترو. إنهم على قناعة بأن اغتيال كاسترو هو الحلّ لمشكلتهم وأنهم مستعدّون لدفع 150 ألف دولار لتحقيق هذا الأمر بنجاح. وكان ينبغي الإيحاء لروسيلي بوضوح أن حكومة الولايات المتحدة لا تعلم، ولا ينبغي أن تعلم، بأمر هذه العمليّة.

تم طرح هذا على روسيلي في الرابع عشر من أيلول/سبتمبر 1960 في فندق “هيلتون بلازا” في مدينة نيويورك. كانت ردة فعله الأوليّة تفادي الضلوع، ولكن، عبر عملية الإقناع التي قام بها ميهيو، وافق على تعريفه بصديق، وهو سام غولد، الذي كان يعرف “الناس الكوبيين”. ألمح روسيلي بوضوح أنه لا يريد أي مال لمشاركته في ذلك، وأنه يعتقد بأن سام سيفعل ذات الشيء. لم يتم دفع شيء لهذين الشخصين أبداً من أموال الوكالة.

خلال أسبوع الخامس والعشرين من أيلول/سبتمبر تم تعريف ميهيو بسام، الذي كان ينزل في فندق “فونتاينبلو” في ميامي بيتش. لم يكن إلا بعد عدة أسابيع من لقائه بسام وجوي –الذي تم تقديمه على أنه بريد يعمل بين هافانا وميامي- أن رأى صوراً لهذين الشخصين في الملحق الأسبوعي لصحيفة “Parade”. ظهر الأول باسم مومو سلفاتوري جيانكانا والثاني باسم سانتوس ترافيكانتي. وكان كلاهما ضمن قائمة المدعي العام للمطلوبين العشرة الأوائل. ظهر وصف الأول على أنه رئيس “كوسا نوسترا” في شيكاغو وخلف آل كابوني، والآخر بصفة قائد العمليات الكوبية في “كوسا نوسترا”. قام ميهيو بالاتصال بهذا المكتب فور معرفته بالنبأ.

عند بحث الأساليب الممكنة للقيام بهذه المهمة، اقترح سام ألا يلجأوا إلى الأسلحة الناريّة وإنما، في حال أمكن، أن يوفَّر له نوعاً من الأقراص القويّة بالوسع دسها في طعام أو شراب كاسترو، فإن العملية تكون أكثر فعالية بكثير. وأشار سام إلى أن لديه مرشحاً محتملاً في شخص خوان أورتا، وهو موظف كوبي سبق له أن واظب على تلقي مدفوعات كرشوة من تجارة القمار، والذي كان ما يزال بوسعه الوصول إلى كاسترو وكان في ضائقة ماليّة.

طُلب من لواء الخدمات الفنية ‘TSD’ إنتاج ستة أقراص ذات محتوى قاتل كبير.

قام جوي بتسليم الأقراص لأورتا. وبعد عدة أسابيع من المحاولات، يبدو أن أورتا قد تخاذل وطلب إعفاءه من المهمة. وقد اقترح مرشحاً آخر قام بعدة محاولات من دون نجاح”.

كل ما ذُكر في الفقرات السابقة العديدة وُضع بين قوسين. فليلاحظ القرّاء جيداً الأساليب التي كانت قد شرعت الولايات المتحدة بتطبيقها من أجل حكم العالم.

أذكر أنه خلال السنوات الأولى من عمر الثورة في مكاتب المعهد الوطني للإصلاح الزراعي كان يعمل معي رجل كنيته أورتا، جاء من القوات السياسية المناهضة لباتيستا. كان يبدو وقوراً وجدّياً. لا يمكن أن يكون أحد غيره. لقد مرت عشرات السنين، وفي تقرير السي آي إيه أرى هذا الاسم من جديد. لا يوجد بمتناول يدي عناصر تسمح لي بالتحقق فوراً أو بمحاولة أن أعرف ما حلّ به. أطلب المعذرة إن كنت أسيء، عن غير إرادة، لأي قريب أو منحدر من سلالة الشخص المذكور، سواءً كان مذنباً أم لا.

لقد خلقت الإمبراطورية آلة قتل حقيقية تتكون ليس فقط من السي آي إيه وأساليبها. فقد وضع بوش هياكل تجسسية وأمنية كبرى قويّة ومكلفة، وحوّل كل القوات الجوية والبحرية والأرضية إلى أدوات لقوة عالمية تحمل الحرب والظلم والجوع والموت إلى أي ركن من أركان الأرض، من أجل تعليم مواطنيها ممارسة الديمقراطية والحرية. والشعب الأمريكي يعي هذه الحقيقة على نحو أكبر يوماً بعد يوم.

“لا يمكن خداع كل الشعب لكل الوقت”، هذا ما قاله لينكولن في جيتزبورغ.

فيدل كاسترو روز

30 حزيران/يونيو 2007

6.45 مساءً

أكتب تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

*